إقرار أبي طالب بالتوحيد :
أما أشعار أبي طالب ،
المتضمنة إقراره بالتوحيد لله وتمجيده وتقديسه ، فهي مسطورة في كتب العلماء ،
وتعاليق أرباب الفن من الأدباء ، إليك بعضا منها ، قوله :
مليك الناس ليس له شريك * هو
الجبار والمبدي المعيد
ومن فوق السماء له بحق * ومن تحت السماء له عبيد
فانظر كيف أقر الله
تعالى في هذين البيتين بالعبودية
- شيخ
البطحاء أبو طالب
عليه السلام - الحاج حسين الشاكري ص
73 :
|
والتوحيد ، وخلع
الأنداد له . وقوله :
يا شاهد الله علي
فاشهد * آمنت بالواحد رب أحمد من ضل في الدين فإني مهتدي إلى غير ذلك من شعره
الوافر ، الذي يقر فيه لله بالعبودية والوحدانية ، ولرسوله الكريم بالتأييد
والطاعة .
سبب كتمان إسلام أبي طالب :
إن الذي دعا أبا طالب
لكتمان إيمانه ، وخفاء إسلامه أنه كان سيد قريش غير مدافع ، ورئيسها غير منازع ،
وكانوا ينقادون لأمره ويطيعون ، وهم بالله مشركون ، وللأصنام يعبدون ، فلما أظهر
الله تعالى دينه ، وأرسل نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، شمر أبو طالب عن ساعد الجد
في نصرته ، وإظهار دعوته ، وهو برسالته مؤمن وببعثه موقن سرا ،
- شيخ
البطحاء أبو طالب
عليه السلام - الحاج حسين الشاكري ص
74 :
|
كاتما لإيمانه ،
ساترا لإسلامه ، لأنه لم يكن قادرا على القيام بنصرة النبي ( صلى الله عليه وآله )
وتمهيد الأمور له بنفسه خاصة من دون أهل بيته وأصحابه وعشيرته وأحلافه ، الذي
كانوا على منهاج قريش في الشرك والكفر ظاهرا .
وكان أبو طالب لا
يأمن إذا أظهر إيمانه وأفشى إسلامه أن تتمالى عليه قريش ، ويخذله حليفه وناصره ،
ويسلمه حميمه وصاحبه ، فيؤدي فعله ذلك إلى إفساد قاعدة الدفاع عن النبي ( صلى الله
عليه وآله ) ورسالته ، والتغرير بهم ، فكتم إيمانه
وإسلامه
لاستدامة قريش على طاعته ، والانقياد لسيادته ، ليتمكن من نصرة النبي ( صلى الله
عليه وآله ) ، ودوام حرمته ، والأخذ بحقه ، وإعزاز كلمته ، ولهذا السبب كان أبو
طالب يخالط قريشا ويعاشرهم ويحضر مجالسهم ، ويشهد مشاهدهم . مثل أبي طالب كمثل
أصحاب الكهف ، وكمؤمن آل فرعون ، وفي القرآن الكريم ، والسير والآثار ، أمثلة
- شيخ
البطحاء أبو طالب
عليه السلام - الحاج حسين الشاكري ص
75 :
|
كثيرة حول من يكتم
إيمانه . وقصة أصحاب الكهف وكتمان إيمانهم مع قومهم مشهورة حتى تمكنوا من هدفهم .
كما أخبر أبو الفضل بن شاذان - يرفعه إلى الشيخ الصدوق ابن بابويه القمي ( رحمهم
الله ) ، مرفوعا عن الإمام الحسن بن علي العسكري ( عليه السلام ) في حديث طويل -
يذكر فيه : أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) : إني قد
أيدتك بشيعتين : شيعة تنصرك سرا ، وشيعة تنصرك علانية ، فأما التي تنصرك سرا
فسيدهم وأفضلهم عمك أبو طالب ، وأما التي تنصرك علانية فسيدهم وأفضلهم ابنه علي بن
أبي طالب ( عليه السلام ) ، ثم قال : وإن أبا طالب
كمؤمن آل فرعون يكتم
إيمانه . ومن ذلك الحديث الذي أوردناه مسندا فيما تقدم من هذا البحث ، من قول
الإمام الصادق
( عليه السلام ) : إن جبرئيل ( عليه السلام ) أتى النبي ( صلى الله عليه وآله )
فقال : يا محمد ، إن ربك
- شيخ
البطحاء أبو طالب
عليه السلام - الحاج حسين الشاكري ص
76 :
|
يقرئك السلام ، ويقول
لك : إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرتين ، وإن
أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين .
|